وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ(46)
التفسير المختصر:
ويكلم الناس وهو طفل صغير قبل أوان الكلام، ويكلمهم وهو كبير قد كَملت قوَّتُه ورجولته، يخاطبهم بما فيه صلاح أمر دينهم ودنياهم، وهو من الصالحين في أقوالهم وأعمالهم.
تفسير الجلالين:
«ويكلِّم الناس في المهد» أي طفلا قبل وقت الكلام «وكهلا ومن الصالحين».
تفسير السعدي:
ويكلم الناس فى المهد وكهلا وهذا غير التكليم المعتاد، بل المراد يكلم الناس بما فيه صلاحهم وفلاحهم، وهو تكليم المرسلين، ففي هذا إرساله ودعوته الخلق إلى ربهم، وفي تكليمهم في المهد آية عظيمة من آيات الله ينتفع بها المؤمنون، وتكون حجة على المعاندين، أنه رسول رب العالمين، وأنه عبد الله، وليكون نعمة وبراءة لوالدته مما رميت به ومن الصالحين أي: يمن عليه بالصلاح، من من عليهم، ويدخله في جملتهم، وفي هذا عدة بشارات لمريم مع ما تضمن من التنويه بذكر المسيح عليه السلام.
قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ(47)
التفسير المختصر:
قالت مريم مستغربةً أن يكون لها ولد من غير زوج: كيف يكون لي ولد ولم يقربني بشر لا في حلال ولا في حرام؟! قال لها الملَك: مِثلُ ما يخلق الله لك ولدًا من غير أب، فإنه يخلق ما يشاء مما يخالف المألوف والعادة، فإذا أراد أمرًا قال له: «كن» فيكون، فلا يعجزه شيء.
تفسير الجلالين:
«قالت ربِّ أنَّى» كيف «يكون لي ولد ولم يمسني بشر» بتزوج ولا غيره «قال» الأمر «كذلك» من خلق ولد منك بلا أب «الله يخلق ما يشاء إذا قضي أمرا» أراد خلقه «فإنما يقول له كن فيكون» أي فهو يكون.
تفسير السعدي:
قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر والولد في العادة لا يكون إلا من مس البشر، وهذا استغراب منها، لا شك في قدرة الله تعالى: قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون فأخبرها أن هذا أمر خارق للعادة، خلقه من يقول لكل أمر أراده: كن فيكون، فمن تيقن ذلك زال عنه الاستغراب والتعجب، ومن حكمة الباري تعالى أن تدرج بأخبار العباد من الغريب إلى ما هو أغرب منه، فذكر وجود يحيى بن زكريا بين أبوين أحدهما كبير والآخر عاقر، ثم ذكر أغرب من ذلك وأعجب، وهو وجود عيسى عليه السلام من أم بلا أب ليدل عباده أنه الفعال لما يريد وأنه ما شاء كان وما لم يشاء لم يكن.
وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ(48)
التفسير المختصر:
ويُعلمه الكتابة والإصابة والتوفيق في القول والعمل، ويعلمه التوراة التي أنزلها على موسى عليه السلام، ويعلمه الإنجيل الذي سينزله عليه.
تفسير الجلالين:
«وَنُعَلِّمُهُ» بالنون والياء «الكتاب» الخط «والحكمة والتوراة والإنجيل».
تفسير السعدي:
ثم أخبر تعالى عن منته العظيمة على عبده ورسوله عيسى عليه السلام، فقال ويعلمه الكتاب يحتمل أن يكون المراد جنس الكتاب، فيكون ذكر التوراة والإنجيل تخصيصا لهما، لشرفهما وفضلهما واحتوائهما على الأحكام والشرائع التي يحكم بها أنبياء بني إسرائيل والتعليم، لذلك يدخل فيه تعليم ألفاظه ومعانيه، ويحتمل أن يكون المراد بقوله ويعلمه الكتاب أي: الكتابة، لأن الكتابة من أعظم نعم الله على عباده ولهذا امتن تعالى على عباده بتعليمهم بالقلم في أول سورة أنزلها فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم والمراد بالحكمة معرفة أسرار الشرع، ووضع الأشياء مواضعها، فيكون ذلك امتنانا على عيسى عليه السلام بتعليمه الكتابة والعلم والحكمة، وهذا هو الكمال للإنسان في نفسه.
وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(49)
التفسير المختصر:
ويجعله - كذلك - رسولًا إلى بني إسرائيل، حيث يقول لهم: إني رسول الله إليكم قد جئتكم بعلامة دالة على صدق نبوتي هي: أني أُصوِّر لكم من مادة الطين مثل شكل الطير، فأنفخ فيه فيصير طيرًا حيًّا بإذن الله، وأشفي من وُلِد أعمى فيبصر، ومن أصيب بِبَرَصٍ فيعود جلده سليمًا، وأُحْيي من كان ميتًا، كل ذلك بإذن الله، وأخبركم بما تأكلون وبما تخبئون في بيوتكم من طعام وتخفونه، إن فيما ذكرته لكم من هذه الأمور العظيمة التي لا يقدر عليها البشر؛ لعلامةً ظاهرة على أني رسول من الله إليكم، إن كنتم تريدون الإيمان، وتصدقون بالبراهين.
تفسير الجلالين:
«و» يجعله «رسولا إلى بنى إسرائيل» في الصبا أو بعد البلوغ فنفخ جبريل في جيب درعها فحملت، وكان من أمرها ما ذكر في سورة مريم فلما بعثه الله إلى بني إسرائيل قال لهم إني رسول الله إليكم «إني» أي بأني «قد جئتكم بآية» علامة على صدقي «من ربكم» هي «أنِّي» وفي قراءة بالكسر استئنافا «أخلق» أصوِّر «لكم من الطين كهيئة الطير» مثل صورته فالكاف اسم مفعول «فأنفخ فيه» الضمير للكاف «فيكون طيرا» وفي قراءة طائرا «بإذن الله» بإرادته فخلق لهم الخفاش لأنه أكمل الطير خلقا فكان يطير وهم ينظرونه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا «وأبرئ» أشفي «الأكمه» الذي وُلد أعمى «والأبرص» وخصا بالذكر لأنهما ذا إعياء وكان بعثه في زمن الطب فأبرأ في يوم خمسين ألفا بالدعاء بشرط الإيمان «وأحيي الموتى بإذن الله» كرره لنفي توهم الألوهية فيه فأحيا عازر صديقا له وابن العجوز وابنة العاشر فعاشوا وولد لهم، وسام بن نوح ومات في الحال «وأنبئكم بما تأكلون وما تدَّخرون» تخبئون «في بيوتكم» مما لم أعانيه فكان يخبر الشخص بما أكل وبما يأكل وبما يأكل بعد «إن في ذلك» المذكور «لآية لكم إن كنتم مؤمنين».
تفسير السعدي:
ثم ذكر له كمالا آخر وفضلا زائدا على ما أعطاه الله من الفضائل، فقال ورسولا إلى بني إسرائيل فأرسله الله إلى هذا الشعب الفاضل الذين هم أفضل العالمين في زمانهم يدعوهم إلى الله، وأقام له من الآيات ما دلهم أنه رسول الله حقا ونبيه صدقا ولهذا قال أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين طيرا، أي: أصوره على شكل الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله أي: طيرا له روح تطير بإذن الله وأبرى الأكمه وهو الذي يولد أعمى والأبرص بإذن الله وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين وأي: آية أعظم من جعل الجماد حيوانا، وإبراء ذوي العاهات التي لا قدرة للأطباء في معالجتها، وإحياء الموتى، والإخبار بالأمور الغيبية، فكل واحدة من هذه الأمور آية عظيمة بمفردها، فكيف بها إذا اجتمعت وصدق بعضها بعضها؟ فإنها موجبة للإيقان وداعية للإيمان.
jtsdv s,vm hg ulvhk (14)