عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم يوم أمس, 07:16 PM
السمو غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Jun 2025
المشاركات: 10,553
افتراضي القنوت في الوتر (خطبة)


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَالدُّعَاءُ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى تَحْقِيقِ الْمَطْلُوبِ، وَدَفْعِ الْمَكْرُوهِ، وَيَتَأَكَّدُ هَذَا فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ؛ وَالدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ آكَدِ مَوَاطِنِ الْإِجَابَةِ، فَكَيْفَ إِذَا أُضِيفَ إِلَيْهِ تَأْمِينُ الْمُصَلِّينَ فِي خِتَامِ صَلَاةِ الْوِتْرِ؟! فَهَذَا مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْ أَبْرَزِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ:

1- تَعْرِيفُ الْقُنُوتِ: الْقُنُوتُ لُغَةً: يُطْلَقُ عَلَى الدُّعَاءِ، وَالْقِيَامِ، وَالْخُضُوعِ، وَالسُّكُونِ، وَالسُّكُوتِ، وَالطَّاعَةِ، وَالصَّلَاةِ، وَالْخُشُوعِ، وَالْعِبَادَةِ، وَطُولِ الْقِيَامِ[1].



الْقُنُوتُ اصْطِلَاحًا: هُوَ الدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ مِنَ الْقِيَامِ[2].



2- يُشْرَعُ الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ: الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ[3]. وَالدَّلِيلُ: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُمَا قَالَ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ؛ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ.



3- يُشْرَعُ الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَوَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ قَوَّاهُ النَّوَوِيُّ[4]، وَاخْتَارَهُ ابْنُ بَازٍ، وَابْنُ عُثَيْمِينَ، وَالْأَلْبَانِيُّ[5]. وَاسْتَدَلُّوا: بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. وَجْهُ الدَّلَالَةِ: أَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَخُصَّ الْقُنُوتَ بِوَقْتٍ دُونَ آخَرَ، وَهُوَ ذِكْرٌ يُشْرَعُ فِي الْوَتْرِ؛ فَيُشْرَعُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ[6].



4- يُسْتَحَبُّ تَرْكُ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْقُنُوتِ: فَيَقْنُتُ أَحْيَانًا، وَيَتْرُكُ أَحْيَانًا. قَالَ الْأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْنُتُ أَحْيَانًا، وَيَدَعُ أَحْيَانًا، إِذْ لَوْ كَانَ يَقْنُتُ دَائِمًا؛ لَمَا خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ رَوَوْا إِيتَارَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)[7] ، وَقَالَ ابْنُ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ سُنَّةٌ، لَكِنَّ الِاسْتِمْرَارَ عَلَيْهِ دَائِمًا لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ)[8].



5- يُشْرَعُ التَّأْمِينُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي قُنُوتِ الْوَتْرِ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ[9]، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عُثَيْمِينَ، وَبِهِ أَفْتَتِ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ[10]. وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ، فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ، إِذَا قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ؛ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ» حَسَنٌ – رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَجْهُ الدَّلَالَةِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ قُنُوتِ النَّازِلَةِ وَبَيْنَ قُنُوتِ الْوِتْرِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ دُعَاءُ قُنُوتٍ مِنَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ جَهْرًا؛ فَيُسْتَحَبُّ التَّأْمِينُ عَلَيْهِ[11]. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (سُئِلَ أَحْمَدُ عَنِ الرَّجُلِ يَقْنُتُ فِي بَيْتِهِ: أَيُعْجِبُكَ يَجْهَرُ بِالدُّعَاءِ فِي الْقُنُوتِ أَوْ يُسِرُّهُ؟ قَالَ: يُسِرُّهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ إِنَّمَا يَجْهَرُ لِيُؤَمِّنَ الْمَأْمُومُ)[12].



6- مَحَلُّ الْقُنُوتِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنَ الْوِتْرِ؛ بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَيَجُوزُ قَبْلَهُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ، وَقَوْلُ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ[13]، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَابْنُ بَازٍ، وَابْنُ عُثَيْمِينَ[14]، فَمِنْ أَدِلَّةِ الْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ: عَنْ أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‌فَقَنَتَ ‌بَعْدَ ‌الرُّكُوعِ، ‌وَرَفَعَ ‌يَدَيْهِ، وَجَهَرَ بِالدُّعَاءِ» صَحِيحٌ - رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَمِنْ أَدِلَّةِ جَوَازِ الْقُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنَّا نَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَأَمَّا الْقُنُوتُ؛ فَالنَّاسُ فِيهِ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ: ‌مِنْهُمْ ‌مَنْ ‌لَا ‌يَرَى ‌الْقُنُوتَ إِلَّا قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَاهُ إِلَّا بَعْدَهُ. وَأَمَّا فُقَهَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ فَيُجَوِّزُونَ كِلَا الْأَمْرَيْنِ؛ لِمَجِيءِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ بِهِمَا، وَإِنِ اخْتَارُوا الْقُنُوتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ وَأَقْيَسُ، فَإِنَّ سَمَاعَ الدُّعَاءِ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِ الْعَبْدِ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»، فَإِنَّهُ يُشْرَعُ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ دُعَائِهِ، كَمَا بُنِيَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ عَلَى ذَلِكَ، أَوَّلُهَا ثَنَاءٌ، وَآخِرُهَا دُعَاءٌ)[15].



7- يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ[16]، وَاخْتَارَهُ ابْنُ بَازٍ، وَابْنُ عُثَيْمِينَ، وَالْأَلْبَانِيُّ[17]. وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – فِي قِصَّةِ الْقُرَّاءِ وَقَتْلِهِمْ – قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‌كُلَّمَا ‌صَلَّى ‌الْغَدَاةَ ‌رَفَعَ ‌يَدَيْهِ يَدْعُو عَلَيْهِمْ، يَعْنِي: عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَجْهُ الدَّلَالَةِ: أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ – فِي هَذَا الْحَدِيثِ- وَإِنْ كَانَ فِي قُنُوتِ النَّوَازِلِ؛ إِلَّا أَنَّ قُنُوتَ الْوِتْرِ مِنْ جِنْسِ قُنُوتِ النَّوَازِلِ[18]، قَالَ ابْنُ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ قُنُوتِ الْوِتْرِ سُنَّةٌ، سَوَاءٌ كَانَ إِمَامًا، أَوْ مَأْمُومًا، أَوْ مُنْفَرِدًا، فَكُلَّمَا قَنَتَّ فَارْفَعْ يَدَيْكَ)[19].



الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ... أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. وَمِنَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ:

8- لَا يُشْرَعُ مَسْحُ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الدُّعَاءِ فِي الْقُنُوتِ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ[20]، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَابْنُ بَازٍ، وَابْنُ عُثَيْمِينَ[21]. وَالسَّبَبُ: أَنَّ النُّصُوصَ الثَّابِتَةَ فِي رَفْعِ الْأَيْدِي لِلدُّعَاءِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَمْ تَرِدْ وَقْعَةُ الْمَسْحِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَسْحُ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ بَعْدَ الدُّعَاءِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَأَمَّا مَسْحُ الْيَدَيْنِ بِالْوَجْهِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الدُّعَاءِ؛ ‌فَلَسْتُ ‌أَحْفَظُهُ ‌عَنْ ‌أَحَدٍ ‌مِنَ ‌السَّلَفِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ)[22]. وَقَالَ ابْنُ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (أَمَّا مَسْحُ الْوَجْهِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الدُّعَاءِ، فَلَيْسَ بِسُنَّةٍ؛ لَا فِي الْقُنُوتِ، وَلَا فِي غَيْرِ الْقُنُوتِ)[23].



9- تُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الدُّعَاءِ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ[24]. وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ:

أ- أَثَرُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي إِمَامَتِهِ لِلنَّاسِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ: «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الْقُنُوتِ»[25].



ب- أَثَرُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّهُ ‌كَانَ‌‌ ‌يُصَلِّي ‌عَلَى ‌النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُنُوتِ»[26].



10- يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْتَنِبَ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ عِدَّةَ أُمُورٍ؛ مِنْهَا:

أ- الْمُبَالَغَةُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالدُّعَاءِ: قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَلَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَجْتَهِدُونَ فِي الدُّعَاءِ، ‌وَمَا ‌يُسْمَعُ ‌لَهُمْ ‌صَوْتٌ، إِنْ كَانَ إِلَّا هَمْسًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ [الْأَعْرَافِ: 55]، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ عَبْدًا صَالِحًا، فَرَضِيَ فِعْلَهُ فَقَالَ: ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ﴾ [مَرْيَمَ: 3])[27].



وَقَالَ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 55]: (فَإِنَّ مَعْنَاهُ: إِنَّ رَبَّكُمْ ‌لَا ‌يُحِبُّ ‌مَنِ ‌اعْتَدَى ‌فَتَجَاوَزَ حَدَّهُ الَّذِي حَدَّهُ لِعِبَادِهِ فِي دُعَائِهِ وَمَسْأَلَتِهِ رَبَّهُ، وَرَفْعِهِ صَوْتَهُ فَوْقَ الْحَدِّ الَّذِي حَدَّ لَهُمْ فِي دُعَائِهِمْ إِيَّاهُ، وَمَسْأَلَتِهِمْ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ)[28].



ب- رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: (‌إِنَّ ‌مِنَ ‌الدُّعَاءِ ‌اعْتِدَاءً، يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ، وَالنِّدَاءُ وَالصِّيَاحُ بِالدُّعَاءِ، وَيُؤْمَرُ بِالتَّضَرُّعِ وَالِاسْتِكَانَةِ)[29].



ج- تَكَلُّفُ السَّجْعِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِعِكْرِمَةَ: «فَانْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ؛ فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ. يَعْنِي: لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.



وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (يُكْرَهُ تَكَلُّفُ السَّجْعِ فِي الدُّعَاءِ، فَإِذَا وَقَعَ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ فَإِنَّ أَصْلَ الدُّعَاءِ مِنَ الْقَلْبِ، وَاللِّسَانُ تَابِعٌ لِلْقَلْبِ. وَمَنْ جَعَلَ هِمَّتَهُ فِي الدُّعَاءِ تَقْوِيمَ لِسَانِهِ؛ أَضْعَفَ تَوَجُّهَ قَلْبِهِ)[30].



وَجَاءَ فِي فَتْوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ: (الْمَشْرُوعُ لِلدَّاعِي اجْتِنَابُ السَّجْعِ فِي الدُّعَاءِ، وَعَدَمُ التَّكَلُّفِ فِيهِ، وَأَنْ يَكُونَ حَالَ دُعَائِهِ خَاشِعًا مُتَذَلِّلًا، مُظْهِرًا الْحَاجَةَ وَالِافْتِقَارَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ؛ فَهَذَا أَدْعَى لِلْإِجَابَةِ، وَأَقْرَبُ لِسَمَاعِ الدُّعَاءِ)[31].



د- الْإِطَالَةُ عَلَى النَّاسِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ: قَالَ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (يُكْرَهُ إِطَالَةُ الْقُنُوتِ)[32]. وَقَالَ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَالْأَفْضَلُ لِلْإِمَامِ فِي الْقُنُوتِ تَحَرِّي الْكَلِمَاتِ الْجَامِعَةِ، وَعَدَمُ الْإِطَالَةِ عَلَى النَّاسِ؛ فَيَقْرَأُ «اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ» الَّذِي وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقُنُوتِ، وَيَزِيدُ مَعَهُ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الدَّعَوَاتِ الطَّيِّبَةِ، كَمَا زَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِدُونِ تَكَلُّفٍ أَوْ مَشَقَّةٍ عَلَى النَّاسِ)[33].



وَقَالَ ابْنُ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (لَا يَنْبَغِي أَنْ يُطِيلَ إِطَالَةً تَشُقُّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، أَوْ تُوجِبُ مَلَلَهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ غَضِبَ عَلَى مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حِينَ أَطَالَ الصَّلَاةَ بِقَوْمِهِ، وَقَالَ: «يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)[34].



hgrk,j td hg,jv (o'fm)

رد مع اقتباس